فصل: غزوة بني قريظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.غزوة بني قريظة:

ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة، ووضع المسلمون السلاح، فلما كان الظهر، أتى جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلي العصر إلا ببني قريظة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برايته إلى بني قريظة، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بئر من آبارهم، وتلاحق الناس، وأتى قوم بعد العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصل أحد العصر إلا ببني قريظة، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك، وحاصر بني قريظة خمساً وعشرين ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، ولما اشتد بهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا حلفاء الأوس، فسأل الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاقهم، كما أطلق بني قينقاع، حلفاء الخزرج بسؤال عبد الله بن أبي بن أبي سلول المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ترضون أن يحكم فيهم سعد بن معاذ وهو سيد الأوس؟»، فقالوا: إلى، ظناً منهم أن يحكم بإطلاقهم، فأمر بإحضار سعد، وكان به جرح في أكحله من الخندق، فحملت الأوس سعداً على حمار قد وطأوا له عليه بوسادة، وكان رجلاً جسيماً، ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون لسعد: يا أبا عمرو أحسن إلى مواليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم. والمهاجرون يقولون: إنما أراد صلى الله عليه وسلم الأنصار، والأنصار يقولون: قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فقاموا إليه وقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله قد حكمك في مواليك. فقال سعد: أحكم فيهم، أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة»، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحبس بني قريظة في بعض دور الأنصار، وأمر فحفر لهم خنادق، ثم بعث بهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، وكانوا سبعمائة رجل يزيدون أو ينقصون عنها قليلاً. ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني قريظة فأخرج الخمس، واصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو، فكانت في ملكه حتى ماتت، ولما انقضى أمر بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ فمات، رضي الله عنه، وجميع من استشهد من المسلمين في حرب الخندق ستة نفر، منهم سعد بن معاذ، ما بعد حرب بني قريظة على ما وصفناه، وكان سعد بن معاذ لما جرح على الخندق، قد سأل الله تعالى أن لا يميته حتى يغزو بني قريظة، لغدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاندمل جرحه حتى فرغ من غزو بني قريظة كما سأل الله تعالى، ثم انتقض جرحه ومات، رحمه الله تعالى، وفي حرب بني قريظة، لم يستشهد غير رجل واحد، وكانت غزوة بني قريظة في ذي القعدة، سنة خمس، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حتى خرجت السنة.
ثم دخلت سنة ستة:
فيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى إلى بني لحيان، طلباً بثأر أهل الرجيع فتحصنوا برؤوس الجبال، فنزل عسفان تخويفاً لأهل مكة، ثم رجع إلى المدينة.

.غزوة ذي قرد:

ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أياماً، فأغار عيينة بن حصين الفزاري على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بالغابة، فخرج رسول الله يوم الأربعاء، حتى وصل إلى ذي قرد، لأربع خلون من ربيع الأول، فاستنقذ بعضها، وعاد إلى المدينة، وكانت غيبته خمس ليال، وذو قرد موضع على ليلتين من المدينة على طريق خيبر.

.غزوة بني المصطلق:

وكانت في شعبان من هذه السنة، أعني سنة ست، وقيل سنة خمس، وكان قائد بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار، ولقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ماء لهم يقال له المريسيع، واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق، فقتل وسبى وغنم الأموال ووقعت جويرة بنت قائدهم، الحارث بن أبي ضرار، في سهم ثابت بن قيس، فكاتبته على نفسها، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها وتزوجها، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتق بتزوجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فكانت عظيمة البركة على قومها، وفي هذه الغزوة قتل رجل من الأنصار، رجلاً من المسلمين خطأ، يظنه كافراً، وكان المقتول من بني ليث بن بكر، واسمه هشام، وكان أخوه مقيس مشركاً، فلما بلغه قتل أخيه خطأ، قدم من مكة مظهراً الإسلام، وأنه يطلب دية أخيه، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم رجع إلى مكة مرتداً، وقال من أبيات لعنه الله:
حللت به وترى وأدركت ثورتي ** وكنت إلى الأوثان أول راجع

وهو ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة، وفي هذه الغزوة ازدحم جهجاه الغفاري، أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسنان الجهني، حليف الأنصار، على الماء، وتقاتلا، فصرخ الغفاري يا معشر المهاجرين، وصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، فغضب عبد الله بن أُبي بن أبي سلول المنافق، وعنده رهط من قومه، فيه زيد بن أرقم، فقال عبد الله المنافق: لقد فعلوها قد كاثرونا في بلادنا، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة، لنخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لمن حضر من قومه: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، ولو مسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا عنكم، فأخبر زيد بن أرقم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وعنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال يا رسول الله: مر به عبد الله بن بشير فليقتله، فقالي النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يتحدث الناس إذن أن محمداً يقتل أصحابه، ثم أمر بالرحيل، في وقت لم يكن ليرحل فيه، ليقطع ما الناس فيه، فلقيه أسيد بن حصين وقال: يا رسول الله، رحت في ساعة لم تكن لتروح فيها، فقال: أوما بلغك ما قاله عبد الله بن أبي؟ فقال: وماذا قال: فأخبره رسول الله بمقاله. فقال أسيد: أنت والله تخرجه إن شئت، أنت العزيز وهو الذليل، وبلغ ابن عبد الله المنافق، واسمه أيضاً عبد الله وكان حسن الإسلام، مقال أبيه، فقال يا رسول الله: بلغني أنك تريد قتل أبي، فإن كنت فاعلاً فمرني، فأنا أحمل إليك رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل ترفق به وتحسن صحبته.

.قصة الإفك:

ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الغزوة، وكان ببعض الطريق، قال أهل الإفك ما قالوا: وهم مسطح بن إثاثة بن عباد بن عبد المطلب، وهو ابن خالة أبي بكر، وحسان بن ثابت، وعبد الله بن أبي بن أبي سلول الخزرجي المنافق، وأم حسنة ابنة جحش فرموا عائشة بالإفك مع صفوان بن المعطل، وكان صاحب الناقة، فلما نزلت براءتها، جلدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين ثمانين إلا عبد الله بن أبي فإنه لم يجلده.
من الأشراف للمسعودي، وفي هذه الغزوة، أعني غزوة بني المصطلق نزلت آية التيمم.

.عمرة الحديبية:

وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في ذي القعدة، سنة ست، معتمراً لا يريد حرباً بالمهاجرين والأنصار في ألف وأربعمائة، وساق الهدي وأحرم بالعمرة، وسار حتى وصل إلى ثنية المرار مهبط الحديبية أسفل مكة، وأمر بالنزول فقالوا: لينزل على غير ماء، فأعطى رجلاً سهماً من كنانته، وغرره في بعض تلك القلب في جوفه، فجاش حتى ضرب الناس عنه، وهذا من مشاهير معجزاته صلى الله عليه وسلم، فبعث قريش عروة بن مسعود الثقفي، وهو سيد أهل الطائف، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنّ قريشاً لبسوا جلود النمور، وعاهدوا الله أن لا تدخل عليهم مكة عنوة أبداً. ثم جعل عروة يتناول لحية رسول الله وهو يكلمه، والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقرع يده ويقول: كف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا ترجع إليك. فقال له عروة: ما أفظك وأغلظك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام عروة، من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرى ما يصنع أصحابه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ولا يبصق إلا ابتدروا بصاقه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، ورجع إلى قريش وقال لهم: أني جئت: كسرى وقيصر في ملكهما، فوالله ما رأيت ملكاً في قومه مثل محمد في أصحابه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى قريش، ليعلمهم بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأت لحرب، فقال عمر: أني أخاف قريشاً لغلظي عليهم، وعدواتي لهم، فبعث رسول الله عثمان بن عفان إلى أبي سفيان وأشراف قريش، أنه لم يأت لحرب، إنما جاء زائراً ومعظماً لهذا البيت، فلما وصل إليهم عثمان وعرفهم بذلك، قالوا له: إن أحببت أنك تطوف بالبيت فطف، فقال: ما كنت لأفعله حتى يطوف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمسكوه وحبسوه، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ عثمان قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة،، فكانت بيعة الرضوان، تحت الشجرة، وكان الناس يقولون بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، وكان جابر يقول: لم يبايعنا إلا على أننا لا نفر، فبايع رسول الله عليه السلام الناس، ولم يتخلف أحد من المسلمين إلا الجد بن قيس استتر بناقته، وبايع رسول الله عليه السلام لعثمان في غيبته، فضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم أتى النبي الخبر أن عثمان لم يقتل.
الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش:
ثم إن قريشاً بعثوا سهيل بن عمرو في الصلح، وتكلمّ مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلما أجاب إلى الصلح، قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله أو لست برسول الله، أولسنا بالمسلمين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى، قال: فعلام نعُطي لبينة في ديننا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا عبد الله ورسوله ولن أخالف أمره، ولن يضيعني» ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن أكتب باسمك اللهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله، لم أقاتلك، ولكن أكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، سهيل بن عمرو، على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، وأنّه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأشْهد في الكتاب على الصلح، رجالاً من المسلمين والمشركين، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما خرجوا من المدينة، لا يشكون في فتح مكة، لرؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح، والرجوع، داخل الناس من ذلك، أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، نحر هديه وحلق رأسه، وقام الناس أيضاً فنحروا وحلقوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: «يرحم الله المحلقين»، قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «رحم الله المحلقين» حتى أعادوا، وأعاد ذلك ثلاث مرات، ثم قال: «والمقصرين» ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأقام بها حتى خرجت السنة.

.غزوة خيبر:

ثم دخلت سنة سبع:
غزوة خيبر:
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في منتصف المحرم من هذه السنة، أعني سنة سبع، إلى خيبر، وحاصرهم وأخذ الأموال، وفتحها حصناً حصناً، فأول ما فُتح، حصن ناعم، ثم افتتح حصن القموص، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما سبايا، منهن صفية بنت كبيرهم، حيي بن أخطب، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها، وهي من خواصه عليه السلام، ثم افتتح حصن المصعب، وما كان بخيبر حصن أكثر طعاماً وودكاً منه، ثم انتهى إلى الوطيح والسلالم، وكانا آخر حصون خيبر افتتاحاً.
وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربما كانت تأخذه الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته، فأخذ أبو بكر الصدّيق الراية، فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع فأخذها عمر بن الخطاب، فقاتل قتالاً أشد من الأول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. كراراً غير فرار، يأخذها عنوة» فتطاول المهاجرون والأنصار، وكان علي بن أبي طالب غائباً، فجاء وهو أرمد قد عصب عينيه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادن مني، فدنا منه، فتفل في عينيه، فزال وجعهما، ثم أعطاه الراية، فنهض بها، وعليه حلة حمراء، وخرج مرحب صاحب الحصن، وعليه مغفرة، وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب

فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ** أكيلكم بالسيف كيل السندره

فاختلفا بضربتين، فقدت ضربة علي المغفر ورأس مرحب، وسقط على الأرض. وروى ابن إسحاق خلاف ذلك، والذي ذكرنا هو الأصح، وفتحت المدينة على يد علي رضى الله عنه، وذلك بعد حصار بضع عشرة ليلة، وحكى أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي رضي الله عنه، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فخرج إليه أهل الحصن، وقاتلهم علي رضي الله عنه، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترس علي من يده، فتناول باباً كان عند الحصن، فتترس به، ولم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده.
فلقد رأيتني في سبعة نُفر أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه.
وكان فتح خيبر في صفر، سنة سبع للهجرة، وسأل أهل خيبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح، على أن يساقيهم على النصف من ثمارهم، ويخرجهم متى شاء، ففعل ذلك، وفعل ذلك أهل فدك فكانت خيبر للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها فتحت بغير إيجاف خيل، ولم يزل يهود خيبر كذلك إلى خلافة عمر رضي الله عنه، فأجلاهم منها، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القرى، فحاصره ليلة وافتتحه عنوة، ثم سار إلى المدينة، ولما قدمها وصل إليه من الحبشة بقية المهاجرين، ومنهم جعفر بن أبي طالب، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أدري بأيهما أسَر، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد كتب إلى النجاشي يطلبهم، ويخطب أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قد هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش، فتنصر عبيد الله المذكور، وأقام بالحبشة، فزوجها للنبي صلى الله عليه وسلم ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، وكان بالحبشة من جملة المهاجرين، وأصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، ولما بلغ أباها أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قال: ذلك الفحل الذي لا يقرع أنفه، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، في أن يدخلوا الذين حضروا من الحبشة في سهامهم من مغنم خيبر ففعلوا، وفي غزوة خيبر هدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت الحارث اليهودية شاة مسمومة، فأخذ منها قطعة ولاكها. ثم لفظها، وقال: تخبرني هذه الشاة أنها مسمومة، ثم قال في مرض موته أن أكلة خيبر لم تزل تعاودني، وهذا زمان انقطاع أبهري.